في المملكة العربية السعودية، تلك الأرض التي اشتهرت يومًا ما بنفطها، تتشكل "ثورة زرقاء" بهدوء. فوسط الصحاري الرملية التقليدية والأراضي القاحلة، تنتشر مزارع أحواض الأسماك الحديثة المصنوعة من ألواح الجلفنة، مشكّلةً مشهدًا طبيعيًا خلابًا. ومن بينها، حقق نموذج تربية أسماك البلطي وسمك السلور بكثافة عالية معجزة صناعية بإنتاج "80 كيلوغرامًا من الأسماك لكل متر مكعب من الماء"، ومزايا المنتج وعوائده السوقية مبهرة.
أولاً، تُعدّ بركة الأسماك المصنوعة من ألواح الفولاذ المجلفن بحد ذاتها الميزة الأساسية للتمكين التكنولوجي. فمقارنةً بالبرك الترابية التقليدية، تُظهر هذه البركة قدرة تنافسية لا مثيل لها. وتتكيف قوتها العالية ومقاومتها للتآكل بشكل مثالي مع البيئات القاسية ذات درجات الحرارة العالية والملوحة العالية في المملكة العربية السعودية، مع عمر خدمة طويل للغاية. يُمكّن البناء المعياري للمزرعة من البناء السريع والتوسع بمرونة، مما يُقلل بشكل كبير من فترة عائد الاستثمار. والأهم من ذلك، أنها تُحقق تحكمًا كاملاً في بيئة التكاثر. فمن خلال نظام إعادة تدوير المياه، يُمكن تنظيم درجة حرارة الماء وجودته ومستويات الأكسجين المذاب بدقة، مما يُهيئ أفضل ظروف نمو للأسماك. وهذا هو الأساس التقني لتحقيق كثافة تكاثر فائقة تبلغ "80 كيلوغرامًا من الأسماك لكل متر مكعب من الماء". كما يُوفر هذا النموذج أكثر من 90% من موارد الأراضي والمياه، وهو أمر ذو قيمة استراتيجية لا تُحصى في منطقة الشرق الأوسط التي تُعاني من ندرة المياه.
ومن منظور عوائد السوق، فإن هذا النموذج هو في الواقع "منجم ذهب مخفي" تحت السطح.
من ناحية أخرى، تُترجم الكثافة العالية جدًا مباشرةً إلى ميزة إنتاجية. فبمعدل 80 كيلوغرامًا من الأسماك لكل متر مكعب من الماء، يمكن لمزرعة متوسطة الحجم بسعة ألف متر مكعب إنتاج عشرات الآلاف من الكيلوغرامات لكل محصول. وتتميز برك ألواح الفولاذ المجلفن بسهولة إدارتها وحصادها، مما يسمح بزراعة محاصيل متعددة على مدار العام، مما ينتج عنه إنتاج سنوي إجمالي مذهل.
من ناحية أخرى، يُوفر طلب السوق ضمانًا قويًا للعوائد. تُعاني المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج من ندرة الموارد المائية، ومصيد المنتجات البحرية محدود، مما يجعل أكثر من 80% من المنتجات المائية المحلية تعتمد على الواردات. يُعدّ سمك البلطي وسمك السلور، بفضل نموهما السريع ومقاومتهما القوية للأمراض وجودة لحومهما، مصدرين مفضلين للبروتين. لا يقتصر دور الاستزراع المحلي على تقصير سلسلة الاستيراد الطويلة، مما يضمن نضارة المنتجات فحسب، بل يوفر أيضًا تنافسية سعرية كبيرة. هذا يعني أن كل سمكة تنتجها المزرعة يمكن أن تدخل السوق بسرعة وتُحوّل إلى أرباح حقيقية.
الاستنتاج واضح: في المملكة العربية السعودية، يتماشى مشروع تربية الأسماك باستخدام ألواح الجلفنة تمامًا مع استراتيجية "رؤية السعودية 2030" للأمن الغذائي والتنويع الاقتصادي. بفضل مزاياه الإنتاجية المتميزة، حوّل هذا المشروع البيئة الطبيعية غير المواتية في البداية إلى نظام إنتاج فعال وسهل التحكم، ثم ارتبط بالسوق المحلية الضخمة والمطلوبة بشدة. في النهاية، حقق المشروع قفزة نوعية في القيمة من "قطرة ماء" إلى "دلو من ذهب"، مُلهمًا بذلك "أغنية أسماك صحراوية" مؤثرة للمستثمرين.